جسد


لا أدري إن كنت أحب جسدي أو أكرهه، لم أنظر إلى نفسي بالمرآة مدة تكفي لأن أستخلص استنتاجاً صعباً كهذا. أما عن سبب تجنبّي المرايا فالأمر يعود إلى الرّهاب الذي يصيبني كلما أتذكر أنني عالقة في غشاء جلدي لا ينفك يزداد سُمكاً وثقلاً مع مرور الوقت. يخنُقني التقيّد الإلزامي بهيكل واحد مدى حياتي، وإن لم يكن شكل هذا الهيكل مزعجاً بالضرورة.

بدأتُ ألحظُ أنّ في المرّات القليلة التي أتجرّأ أن أنظر فيها إلى المرآة أبحث تلقائياً عن العلامات نفسها في كل مرة: الحبوب الجلدية، الشعر فوق السُّرة، علامات تمدد الجلد التي تُغطي الفخذين، الندوب، الشامات، واللحم الميت حول الأظافر.

لا أعتقد أنني أستطيع ان أحب جسدي بالمجمل ولكني أعلم أني على الأقل أحب وبدأت أتعلّق بهذه الأجزاء منه، ربما لأنها تُعبّر عن محاولات للنشوز عن محدوديته. فإذا حسبنا الجسد سجناً والجلدُ سجّاناً فالبثرة إذن سجينةً تمدُ يديها بين القضبان مُحاولة فك أسرها. وكذلك الشامة فهي عبارة عن تجمهر لمجموعة عاصية من المساجين المحتجزين في معتقلات منبوذة، يحاولون عن طريق تراصّهم أن يكوّنوا بروجاً تُرشد العالم الخارجي إليهم. تماماً كطلقة نارية أو ضوء ينبعثان من مركب عالق وسط البحر استغاثة بمن هم على الشاطئ، وليس من مُجيب.

لا يقتصر “التمرد” على هذه العلامات فحسب، فيمكننا اعتبار أفعالاً مثل البُكاء والصراخ والتقيؤ والتغوط محاولات للتحرر كذلك. تُعد هذه العلامات أو الأفعال بوادراً لثورة إذا نجحت تصبح الأشياء قادرة أن تنسال من لدنها لتتحد مع وتفترق عن أشياء أخرى، هادمة بذلك القوالب والألقاب التي عهدناها.

ولأن عالماً مطاطيّاً كهذا يُهدد وجود الطبقة المستفيدة من الهياكل والحدود نجد مجابهة عنيفة تجاه هذه البوادر التي تنمّ عن المُراد الإنساني لانعدام الشكل، ما يفسر سياسات العزل المفروضة عليها مثل حصرها في أماكن خاصة ومُغلقة كالحمّام أو غرفة النوم. إضافة إلى إدراجها ضمن قائمة الأفعال المُشينة.

وكنتيجة لهذا الترويض والكبت نجد أن ليس بإمكاننا التوسع خارج خط التماس إلّا بضعة سنتيمترات تتمثل أقصاها في بطن المرأة الحامل، الذي في أوج تمرّده يوحي لنا كاذباً بأنه على وشك التحرر فقط ليعود إلى وضعيته الطبيعية إلى جانب سجين صغير آخر.