أحبت أمّي أن تختلي أمام التلفاز قبل أن تخلد إلى النوم وبعد أن تكون قد رافقتنا أنا وإخوتي إلى أسرّتنا. عندما لم يكن باستطاعتي النوم، كنتُ أراقبها من شق الباب وأحاول أن أسترق النظر نحو الشاشة التي رغم عدم استراتيجية موقعي اتجاهها وإعاقة رؤيتي لها إلّا أنني كنت على دراية بما يحصل عليها أكثر منها وهي المتمركزة أمامها. فبينما كنتُ أحاول جاهدة أن أُخفي ردات فعلي بتغطية فمي الذي كان على وشك أن تفلت منه صرخة أو ضحكة، كانت تبقى أمي متسمرّة مكانها وكأن شيئاً لم يحصل، حتى أنها في بعض الأحيان كانت تُغيّر القناة حال وصول الفيلم أو المسلسل إلى ذروته. الأمر الذي كان يُفقدني صوابي. وددتُ لو كان باستطاعتي مواجهتها وسؤالها لماذا لم تهتم بأن تعرف إن كان أليخاندرو قد نجا من الحادث أو إن كانت كلاريسا قد نجحت بالهروب مع حبيبها، ولكنني لم أرد أن أفضح سرّي الذي علمتُ أنه لو انكشف كان سيصبح التلفاز فعلاً من الماضي.
لم أفهم عندها أن للتلفاز وظائف عدّة إلى جانب الترفيه. لم أفهم أنّ أمي لم تفتح التلفاز لكي تتابع سير الأحداث بل لكي تستخلص من الأحداث حركة تُفضي سكوناً على حركتها. كانت تُريحها المسافة القائمة بينها وبين هذه الخيالات التي كانت تتخبّط وتَقتُل وتُحب وتتشاجر وتمرض وتموت وتعيش وتأكل؛ كل ذلك وفق سيناريو لا يخصها هي. لم تهتم بمجريات السيناريو بحد ذاته بقدر ما كانت مهتمة برؤية أحداث، مهما كانت، تحصل خارج منها لا يمكن أن تؤثر عليها ولا أن تتأثر منها. كان هذا امتيازاً لم تحظى به باقي ساعات يومها التي كانت تمضيها وهي مغموسة بأحداث لا تؤثر عليها فقط بل على أربع طفلات ملتصقات بها التصاق الصمغ بجذع الشجرة؛ يبكين إذا بكت وتبكي إذا بكينَ.
أراحها شبح كساندرا وهي تتأرجح بين شبحين وسيمين وأراحها أكثر أنها ليست مهتمة بتفاصيل حياة هذه الأشباح أو بمستقبلهم، وأن باستطاعتها بكل بساطة أن تُغيّر القناة كيفما أرادات، وقتما أرادت.